استيقظ ديوجين العجوز في منتصف الليل.
فوجد أن الشمعة لم تطفأ والتفت فرأى هيونكيل لايزال يكتب. قال له ديوجين العجوز الاصلع
: "هل من من الضروري أن تضل تكتب لهذا الوقت؟.
ربما انت تبالغ في اهتمامك بالكتابة عن جرائم الملكية الارتيرية والدستور. اعني ما المنفعة من كتابتها ياهيونكيل؟."
يقول هيونكيل وهو يكتب :
"إنها مهمة ضرورية ياديوجين فمن حسن حظي اليوم أن الاطلس كان مخمورا. رغم ذلك حتى وهو مخمور ترك لي المنصب ولكنه لم يمهلني اي وقت لكتابة دستور فهو يعلم بأنني إن عدت سوف أخطأ ويذبحني بنفسه. هو يريد إثبات الزلة علي لذا لن اتهاون سوف اكمل الدستور الليلة واغادر إلى آرسيا وابادل الأماكن مع لاوك مستشاري الرسمي. سينوب عني في المجلس في حين أخذ دوره في وزارة المالية."
ينفذ الحبر من قلم هيونكيل
هيونكيل :" هذا سيء علي بالذهاب إلى المكتبة الآن ربما لا تزال بياتريس تملك بعض الحبر ستساعدني كذلك في كتابة الدلائل والتواريخ وكذلك في الدستور."
ديوجين : "وكيف لك أن تعرف انها لاتزال مستيقظة إلى حد اللحظة ؟"
هيونكيل :"هذه الفتاة لاتنام في مثل هذه الأوقات فهي مشغولة بالعمل في المكتبة. ابوها تاجر وله أملاك في آرسيا و آرتيا لكنه مات في أحداث سقوط إيرتيريا. لذا ظلت بياتريس وحدها بعيدة عن اخوانها في آرسيا ترعى إرث والدها في آرتيا."
يخرج هيونكيل من الخيمة في وسط الليل ويتسلل عبر الحي بهدوء لكي لا يسمعه أحد
وطأت قدم الشاب أعتاب الباب
ورأى بعينيه ضوءاً خلاب
رأى هيونكيل قاعة كبيرة يضيئها نورٌ صغير قادم من مكان جلوس بياتريس حيث الشمعة والكتاب وهي تقرأ.
كانت الفتاة الناعسة بيضاء كضوء ذاك القمر الذي يضرب بنوره الليل . فلم يميز هيونكيل إن كان للشمعة فائدة في وسط هذا المحضر.
شعرها الذهبي المنسدل غطى أكتافها وعبائتها الحمراء فبان كأنه غطاءٌ مُريحٌ يسترُ جمال ملامحها النائمة.
عيونها المجفونة كاللؤلؤ تعكس ضوء القمر كأنها تنتهز الكنوز بدل العلم.
قبل أن يلاحظ هيونكيل أنها نائمة بالفعل. يتقدم نحوها ويربت على كتفها لتستيقض
هيونكيل :"ياسيدة بياتريس. هل لي ب لحظة من فضلك؟".
بياتريس النعسة تستيقظ بصعوبة. مثقلة بالنوم تمسح عينيها بكم فستانها الاحمر الغامق المزين باللون الأبيض. تنظر بعينين كبيرة وبريئة سوداء كالهاوية ومتلألئة إلى هيونكيل فتقول له وهي متعبة
بياتريس : "هيونكيل.....هيونـ
تقف الفتاة عن كرسيها وهي مصدومة. كانت اقصر من هيونكيل بقليل. فزعت من الشاب وقالت له بحياء
بياتريس: "ما الذي جلبك في هذه الساعة بالضبط سيدي؟ الوقت متاخر بالفعل على القراءة وانت مشغول جداً."
هيونكيل :"لنقل أنني اليوم بالفعل مشغول أكثر من أن استريح وانام. ف قلمي انتهى منه الحبر وانا مازلت اكتب عن جرائم عائلة اولمبيا المالكة ومجلس البوربون وجرائمهم ضد حزب عمال ومفكري آرسيا."
بياتريس : "لدي الملفات التاريخية ومعلومات السنين التي سجلت لدينا في فترة مجلس بوربون الشعبي في الحكم مع عائلة اولمبيا ياسيدي لقد احتفظت بالنسخ كما طلبت مع سجلات الدستور من مكاتب آرتيا الإمبراطورية وكذلك ارسل لي السيد لاوك من مكاتب آرسيا بقية النسخ المفقودة. لقد حاول مجلس البوربون كثيراً منع ضهور السجلات ودعمت عائلة لوزاريا ذلك لكن بعد سقوط إيرتيريا تسربت بسهولة من مكاتب الدولة. كانت حركة عبقرية سيدي هيونكيل منك ومن لاوك والسيد هيلكياس."
هيونكيل :"جيد اريد الوقائع التاريخية من السجلات والشواهد بالاسماء عن حوادث الإعدامات في فترة حكم عائلة اولمبيا قبل مساعدة مجلس البوربون. وأريد شكاوي هيلكياس التي أرسلت إلى مجلس البوربون عن سوء معاملة الجيش وقلة الدعم في حرب إيرتيريا والاطالس.
ثم اريد اسماء الشهود ورسائل ردود آرشيا على الاستنجادات التي أرسلت إلى آرشيا قبل هروب عائلة اولمبيا إليها.
سنبدأ في إنهاء أمر دور اولمبيا من حكم دستور إيرتيريا الجديد ونقتل الذبابة التي لوثت حكم إيرتيريا لأمد طويل."
بياتريس :"حسنا سيدي الحكيم."
يأخذ هيونكيل الحبر وعدة أوراق من بياتريس ويبدأ بالكتابة :
"في تقويم إيرتيريا المدني للوقت سنة 120 . بعد موت ابولو كبير عائلة اولمبيا الحاكمة في آرتيا وآرسيا.
جاء ولده آنجيلوا الأول. وتم تتويجه في حفل جبل هيرقليطس الأكبر من نفس السنة بعد موت والده.
كان آنجيلوا شخصاً غير سوي في نشأته على حسب كلام معلمه اليوسليف المفكر في بيان أرسله ل ابولو الكبير سنة 109 بعد أنهى آنجيلوا تعليمه وتم إخفاء الرسالة في مابعد في غرفة اليوسليف بعد أن وجدوه ميتا وحاول الجاني حرق الدليل لكن لسبب ما لم يحالفه الوقت فهرب قبل أن يمسكوه وهو يحاول حرق الرسالة.
ماجاء في الرسالة:
"بسم اليوسليف بن ياريس المفكر من آرتيا النبيلة المباركة ب ابولو الكبير سيد إيرتيريا. اقول بعد تعليمي للنبيل الصغير آنجيلوا وأخوه ڤيرجلوا الأكبر.
أن آنجيلوا أقل مستوى ودهاء من اخوه ناحية السياسة والتفكير واستغلال وتسخير افكاره لمصلحة غيره. روح المشاركة لديه معدومة إلى سيئة وشعوره بالغيرة كبير في كثير الأحيان تجاه ڤيرجلوا الذي كان ذكيا في السياسة والفلسفة والعلوم والرياضيات وكان مشاركا يحب أخاه ويحب الخير. لكن هذا لايعني أن آنجيلوا كان سيئاً. ف الفتى شاعر ذكي قوي النحو واللغة جزل العبارة وذكي في الطب وبعض التجارة.
لا اقصد الإهانة للأمير الصغير لكن لو تفاقم الوضع قد تحدث خيانة عظمى ويقتل الأخ أخيه بسبب الغيرة والحسد سيدي الكبير."
وفي سنة 115 حدث ماتوقعه ليوسليف وتم العثور على جثة ڤيرجلوا كانت رأس النبيل مهشمة بالحجارة ومستلقي بجانب الطريق المؤدي للقصر في الأسواق المحلية.
وهذا عن تسجيل وشهادة القصر الملكي وعائلة اولمبيا بذتها ويعتبر يوم الرابع من الايام الأسبوع الاربعاء في تقويم آرتيا هو يوم نذير شؤم لأن الفتى الشاب مات فيه.
في سنة 121 بعد صعود آنجيلوا للحكم تم ذبح شيوخ آرسيا وآرتيا في القصر الامبراطوري بأمر من آنجيلوا بعد اتهامهم بالتآمر ضد الإمبراطورية وتم الامر بتسجيل هذا الحدث من آنجيلوا نفسه وتداوله المفكرون كمثال لشرح السلطة الملكية المطلقة ومساوء حكمها وتم تسميتها بحكم اولمبيا.
وفي سنة 122 أقيم مجلس البوربون بقيادة المونراخ الديني من دولة آرشيا وكان يساعد آنجيلوا في تولي سلطة حكم أعلى في إيرتيريا لدرجة أن الأكاديميات أصبحت مراقبة من قبل الدولة ويتم تفتيش دوري فيها وإعدام مئات الطلبة يوميا بسبب معارضتهم للملكية المطلقة.
ثم سنة 123 جاءت جمعية التاريخ من آرتيا وآرسيا وقامت بالتحالف تحت راية العلم والفكر والفضيلة لتأريخ كل ماحصل في سنوات حكم اولمبيا ومجلس البوربون بعد تفاقم الأوضاع وهدم الحركات القومية وقمعهم بالقوة. وكان الطلبة من الأكاديميات هم المؤرخون هيونكيل من آرتيا وهيلكياس من آرسيا ولاوك من آرشيا المفكرين الثلاثة بمساعدة المكتبة الوطنية الارتيرية في آرتيا قاوموا بتاريخ الوقائع والأحداث مع شهادات على شكل سجلات رسمية موثقة وماخوذ بصحتها من كبار الأكاديميات ومجلس البوربون بنفسه.
ثم في سنة 124
قام مجلس البوربون بعد الصعود القوي وأخذ المنصب السياسي كالكتلة الأكبر في البلاد بقمع التيار الفكري للعمال الذي كان بمثابة مجلس الشعب لامبراطورية إيرتيريا وبهذا أصبح مجلس البوربون وعائلة اولمبيا هي الوجه الوحيد بحكم الإمبراطورية ولم يضل بيد الشعب في السنوات البقية سوى النظر نصب الجيش وشكر مجالس التاريخ على جهودها.
وفي سنة 125 حتى سنة 127
اهتم آنجيلوا بالفن والشعر والدراسات الأكاديمية وحاول حل الخلافات والطبقية والتعنصر عن طريق نشر المدارس والاكاديميات وناقش العديد من الأطروحات الفلسفية في اكاديميات الدولة من ضمنها انحلال الاخلاق وقلة الثقة بالدولة وحاول دوماً أن يحافظ على هيبته السياسية لكن ذلك كان هباء الريح ف مجلس البوربون أعلن عن الأزمة المالية وأعلن فرض الضرائب في سنة 127 التي كانت بسبب تهور عائلة اولمبيا والصرف الهائل للدولة فحدثت القشة التي قسمت ضهر البعير وهي
أزمة سنة 127 المالية
حيث أن الأكاديميات العديدة في الدولة والبذخ والصرف على الفن والتفاهات وملذات النبلاء وعدم الاكتراث للطبقة العاملة والشعب وجعلهم يعملون كالعبيد في الأسواق ومجالس الدولة والمحلات وقلة الدعم للجيش وعدم صرف ميزانية لهم وإهمال الترسانة العسكرية أدى في نهاية المطاف لإعلان مجلس البوربون الأزمة المالية
حيث أن إنتاج إيرتيريا السنوي كان 300 مليون قطعة آرتية.
بينما كان الصرف السنوي هو 600 قطعة آرتية اغلبها من مجلس البوربون وسرقاتهم من الدولة التي تذهب إلى آرشيا ودولة الاطالس لضمان حياة موظفي المجلس بعد سقوط إيرتيريا وضمان مقاعدهم في الدولة.
فكانت الميزانية على هذا النحو : الصرف على القصر والنبلاء أخذ 150 قطعة ذهبية آرتية .
و 300 قطعة على مجلس البوربون ورواتب عماله ومتطلباتهم التي تصرف للدول المجاورة
و 50 لدعم الشعب والجيش في إيرتيريا فتم صرف 35 مليون عملة للجيش
و15 مليون على رواتب موظفي الشعب. وهذه الكمية لم تكن تكفي لأن بعد فرض الضرائب بسبب الأزمة المالية أصبح الشعب مفلسا في إيرتيريا بشكل كامل.
حيث كان يؤخذ من عائلة اولمبيا أقل كمية من الضرائب بينما يتم أخذ من الشعب الكمية الأكبر لسد النقص الحاصل.
وقام البروبون بتقليل الضرائب على المجلس لأنهم لديهم امتيازات دينية.
وبهذا من سنة 128 إلى سنة 135
إيرتيريا مرت بعدة ثورات تم قمع اغلبها على يد مجلس البوربون الذي استعان بالجيش لذلك وذلك بهدف إضعاف جيش الدولة فكان المقاتلون من آرسيا وآرتيا يمرون في الصباح لدعم رفاقهم في الدولة وفي الليل يقاتلون حتى الممات في السواحل ضد الاطالس.
وذلك لأن البوربون كانوا يريدون أضعاف اخر امل لايرتيريا وشعبها للقيام بثورة عسكرية فكان الشعب يرون أملهم بأن هيلكياس ورفاقه قد يقومون بالانقلاب لكن ذلك أصبح مستحيلا في نهاية المطاف بعد تناقص أعداد الجيش وضعف ترسانتهم وتعبهم الشديد في الحروب فكانت أعدادهم تصل إلى 1 مليون جندي في سنة
120 بقيادة ابولو الأكبر
لكن في حلول سنة 135
بقي هيلكياس هو و 3 آلاف جندي بأسلحتهم المهترئة يدافعون عن السواحل بأرواحهم وكأنها الشيء الوحيد الذين يعرفون استخدامه لردع تقدم الاطالس العنيف الذين كانوا يأخذون الدعم من البوربون دولتهم الام.
في نهاية المطاف في حلول سنة 136
مات آنجيلوا أخيراً وانتهت قصة حكم اولمبيا في الدولة. وأصبح مجلس البوربون هم الحاكمين بقيادة مونراخ. لكن هيلكياس ولاوك وآخر قادة الجيش رفضوا التوقف عن الدفاع عن إيرتيريا.
هيلكياس كان عبارة عن محارب مثخن بالعضلات كجلمود طويل مترين تقريبا وقوي كان في المعركة إن ضرب بسيفه راح الجنود من حوله مذعورين لأنها تمطر برؤوس اعدائه.
كان قائداً فذاً مدرباً من ابولو الأكبر بنفسه وتوج في سن صغيرة كقائد الجيش الرسمي.
كان شعره طويلا بني اللون حاد الملامح كأنه ليث ضاري لين مع رفاقه شرس مع اعدائه.
ركب الوحش الاسطوري غريفين وأصبح بفضله رمز الإمبراطورية وحطم قادة الاطالس حتى أصبحوا يسمونه وحش آرسيا الاحمر لأن درعه الذهبي الملفوف حوله كفنه الابيض يصبح احمرا بعد نهاية كل حملة يقوم بها.
أحب هيلكياس لوزاريا ابنة آنجيلوا وكان كل ما يعود لآرتيا بعد أن يلتقي بنا يذهب ويحرس القصر الملكي فقط لأنها موجودة فيه. كانت علاقته بها كأنها مثالية وكان يسمع الوعود دوماً من آنجيلوا أنه إن انتهى من حربه ضد الاطالس سوف يزوج هيلكياس بها. فجن جنون القائد الشاب بها والعاشق الشجاع لدرجة أنه لم يعرف الراحة في آخر سنين حياته أبداً.
ضن الجميع انها قوة الحب وان هيلكياس يستمد امله منها لكن كل تلك كانت ضنون غير حقيقية فبعد موت آنجيلوا كان الحكم سيذهب للوزاريا باعتبارها وريثة آنجيلوا والعائلة الحاكمة لكن بالطبع البوربون كانوا سيقتلونها في سبيل عدم حصول ذلك.
فهربت هي وعائلتها نحو آرشيا بدليل ردود وزراء آرشيا على الملكة لوزاريا من يوم السبت في سنة 136
وأمرت لوزاريا هيلكياس بقيادة آخر حملة في الجيش بهجوم انتحاري لردع قوات البوربون والاطالس التي تنتظر خارج أسوار إيرتيريا الداخلية فذهب محاربوا الصحراء محملين بالأمل بينما خذلتهم لوزاريا وهربت هي وعائلتها إلى آرشيا.
امرنا هيلكياس بالذهاب أنا ولاوك إلى حماية المكتبة في ذلك اليوم والدفاع عنها ونقل الكتب لآرسيا لأن الاطالس اجتاحوا إيرتيريا من آرتيا لكننا عندما وصلنا كان قد فات الأوان.
سنة 136 فجر يوم الأحد وقف الشابان هيونكيل ولاوك أمام مكتبة إمبراطورية إيرتيريا.
سقط الفتى هيونكيل وهو يبكي من هول المنظر والشرارُ يطيرُ حول عينيه المفتوحتين على مصرعيه. مصدوما من هول المنظر يلوذ بالتفاتة وهو ينوح لصديقه لاوك فيراه شامخاً ذاك الحكيم الذي لم تبكيه شدة أو مصعب صامتٌ وعينيه تهطلُ دموعها بغزارة مُنكسراً صامتاً عالماً بأنها النهاية لعصرً وحضارة عظيمة وعلمً تواتره اعظم مفكرا العالم مسجلاً بأقلام حملها العظماء والأدباء والمفكرون كله اختفى واحترق بطرفة عين. وقف الفتيان الاثنان تحت ضوء القمر ولم يكن يعلوا صوت بكائهم سوى صوت النيران المدوي وهي تأكل كل شيء.
في الجانب الآخر وقف ذلك الليث الاشعث وحيداً كآخر محارب من هذه الأمة
. كان عالِماً بدوره لكنه حمل مسؤولية اعظم. رفع هيكلياس سيفه العظيم وسقط رجاله من حوله وسط الوادي الصحراوي العاصف الذي دفن معه ابطال هذه الملحمة. توجه بكل سرعته وهو يمتطي غريفين ذو ناب معقوفة متعب بدوره من كثرة القتال كلاهما نظرا للامام بدون تردد وخوف. لكنهما متعبان ورغم ذلك لم توقفهم ابداً عتمة ايادي الضلال التي حولهم. واختفى هيلكياس بعدها في غياهب الغموض من دون أن يعلم أحد مصيره.
يتبع.
