ضَهرَ ضوءُ الشمسِ وسقطَ بقوةٍ على أراضِ آرتيا.
صوتٌ استَحتْ العصافيرُ أن تزقزق قبل أن يُنهيَ فحواهُ هدئ.
انتهى لاوك من العزف على قيثارته وصمت عن تصفيرِ ألحانه العذبة.
عندها فتح الأعمى عينيه.
وسمع صوت العصافير المتجمعة فوقه تُزقزِقُ وتُغردْ.
لم يكُن ذلك بمعنى أنه فعلاً يرى كل شيء.
لكنه عبر عن ذلك بطريقته الفنية.
احس بهواء الفجرِ يضربُ بشرته فتنفس ذلك بهدوء.
عندها صمع صوتاً من الخلف . كان ذلك صوت تصفيق
ديوجين: "احسنت تلحيناً ياسيد لاوك"
لاوك :"شكراً على حُسن استماعِكَ سيد ديوجين."
سمع الإثنان صوت عربة قادمة بسرعة نحوهما
عندها قال السائق وهو يلهث بتعب
: "لقد وصلت سيدي لاوك. التعليمات والرسائل من الحكيم هيونكيل."
لاوك :"شكراً على جهودك سيدي المتواضع."
تلمس لاوك بأصابعه الأحرف والكلمات ثم ابتسم بوجه لا
يفارق السعادة
لاوك :"ديوجين اقرأ الرسالة."
أخذ ديوجين الرسالة من أيادي الأعمى المُبتسم
عندها ابتسم بدوره
ديوجين : "الآن حان وقت البداية. سنقوم بتغيير آرتيا كما أراد هيونكيل فعلا."
لاوك :"اليوم ياديوجين. اجمع أعضاء البوربون في المجلس. سأقوم بتعليم هؤلاء كيف يقومون بعملهم."
انطلق ديوجين نحو مهمته وهو متحمس بشدة كأنه وأخيرا يعيش من جديد لهدف حقيقي.
في مكان آخر.
في آرسيا.
اصوات الخربشة من إحدى مكاتب آرسيا.
كان هناك زخم كبير في هذه المكتبة لهذه اليومين.
دخل وخرج المبعوثون بدون كلل يتناوبون الرسائل كأنهم آلات تعمل بانتظام.
كان هيونكيل هناك يقوم بالتوقيع على الأوراق ويدقق المعاملات الحكومية والمحاسبية.
بياتريس كانت تستلم الرسائل حين يأتي العمل وهيونكيل كان يقوم بالتدقيق دون كلل وملل. كان يخرج العديد من المعاملات الزائفة لصالح البوربون ويكشف التزوير فيها ويدقق عليه ويطلب من بياتريس أن تهدي الاوراق للمبعوثين لإرسالها للبوربون لتصحيح المعاملات والأخطاء والتزوير الذي يقومون به.
أثناء كتابة هيونكيل يدخل عليه مونراخ
كان مونراخ ضجرًا وغاضباً من تقدم هيونكيل
مونراخ : "هيونكيل الحكيم.
هل انت شخصٌ فاضلٌ حقاً ام أنت مقنعٌ عن حقيقة مايراهُ غيرُكْ."
بياتريس تقفُ أمامه وهي غاضبة
بياتريس:"سيدي هل لديك موعد مع السيد هيونكيل؟. إنه الآن مشغول ولا يملكُ الوقت للجدال بما لا يُفيد."
نظر إليها مونراخ باشمئزاز من طرف عينه
مونراخ :"أنت إذا تملكُ انعاماً يعملون تحت إمرتك أيضا ياهيونكيل؟."
هيونكيل :"آخر بقايا آرتيا القديمة. المتواطئ قديماً تحت إمْرة الشاه من الشرق في آرشيا. مُتبع السفسطة الأعظم مونراخ."
صُعقَ مونراخ بما يعرفه هيونكيل عنه.
سقط العجوز الاصلع على قدميه التي تشبه العصي.
وتجاعيد وجهه تزايدت مع صدمته.
هيونكيل :"في الحقيقة. أنا لستُ الحكيم. أنا أحبُ التواضع أكثر لكن هذه دلالة الناس عني ياسيد البوربون الموقر. أنا أبحث عن الفضيلة لهذه الأُمة لأنها تُقدرني ياسيدي."
رأى هيونكيل الساعة الرملية.
هيونكيل :"سيدي انت متأخر بالفعل عن اجتماع البوربون اليوم.
لم يتم القيام منذُ فترة طويلة بهذا الاجتماع اتسائل ماهو موضوعه هذه المرة ياتُرا."
نهض مونراخ وابتعد عن المكان وهو خائف ومذعور وصدمة وجهه واضحة على ملامحه. لكنه رفض الاعتراف.
رفض قول أن هيونكيل فعلاً اعرفُ منه. لكنه في قرارة نفسه.
كان مُتيقناً أن هيونكيل أفضل.
بياتريس :"مابالهُ ياتُرى؟. لم أره خائفاً هكذا من قبل."
بينما كانت الفتاة تضحك.
كان البكاءُ ينظرُ إلى المكان الذي تحرك منه مونراخ ويتذكر.
صُدمت بياتريس وصمتت للحظة
بياتريس :"سيدي. الاوراق سوف تتبلل.
اجمع شتات نفسك أرجوك."
صمت هيونكيل للحظة ثم مسح دموعه بمنديل
هيونكيل :"شكرا على تذكيري ياسيدة بياتريس."
نظر الشاب مطولاً الى الاوراق
هيونكيل :"في الحقيقة انتهينا من تدقيق المعاملات اليوم بوقت قياسي."
رمت بياتريس السجلات والكتب وراحت نائمة على الطاولة.
ابتسم هيونكيل بهدوء.
ثُم جلس وحده للحظة ونظر إلى الساعة الرملية التي انتهى عدادها.
هيونكيل :"الآن بقي أن تقوم بواجبك ياسيد لاوك."
.
يُقال أن في ذلك اليوم عندما عاد مونراخ إلى آرتيا كان يفكر فقط في ماكان يكتبهُ هيونكيل.
لدرجة أنه كان يردد في نفسه "إنه الشيطان".
اجتمع أعضاء البوربون يومها في آرتيا.
وكانت الحراسة مشددة لدرجة أنه تم تطويق كل جهات المبنى.
وقف الناس مستغربين خارج مبنى البوربون عن سبب اجتماع أعضاء المجلس بشكل رسمي بعد سقوط الدولة؟. هل هم حقا سيعودون بتصريحات كما في السابق؟.
هل إيرتيريا عادت من جديد ؟.
حتى إن البعض ضن أن الاطلس قد مات أو ما شابه.
لكن رجُلاً أعمى من بين الناس قد ضهر.
خلفه كان مجموعة من الرجال الفُقراء والمصابين والجرحى وبعضهم مازال ينزف اصلا.
والبعض كان يجلب آخر أنفاسه معه للقاعة التي اجتمع فيها البوربون.
كان أعضاء البوربون جالسين في مقاعد أعلى المبنى.
كأنهم يُطلون من شُرفة كبيرة على من تحتهم.
تزينَ المكان القديم باللون الابيض والذهب من فوق والورود الحمراء للدلالة على أن الفضيلة والجنة قد تقع تحت أيادي هؤلاء الرجال فعلاً.
لكن مارويناه اثبت عكس ذلك.
كان هناك كرسي في منتصف القاعة.
يجلس فيه مونراخ في العادة.
لكنه اليوم تأخر
بينما في الأسفل. اللون البُني مطلي على
منصة لإلقاء الكلام والخطابات. تعود إلى المتحدث بإسم الشعب والوزير في إمبراطورية إيرتيريا قديماً.
كان لاوك يرتدي كفنه الأبيض هناك واقفاً وراء المنصة والمنصة مملوئة بالاوراق والمخطوطات الموقعة.
وخلفه كانت مقاعد الشهود مملوئة بهؤلاء الرجال الذين يرتدون الاكفان كذلك.
نظر أعضاء البوربون من فوق وهم مصدومون فقد عرفوا أخيراً لماذا تأخر مونراخ.
هؤلاء رجال موقوفين شهدوا أعمالهم ولديهم الدليل القاطع على جرائمهم وتواطئهم مع حكم آنجيلوا الأول.
في ضل حكم الاطالس للنظام الحالي هؤلاء هم التهديد الحقيقي لبقاء البوربون بحكم علاقة هيونكيل والاطلس.
عندها دخل.
خطواته كانت بطيئة ومترددة.
كان يرتدي عبائة سوداء وخوذة مرصعة بالجواهر والالماس.
تحرك مونراخ بدون حُراسه اليوم.
وصعد على المقعد الأعلى أمام المنصة العالية في الوسط.
رأى تحته مباشرةً لاوك.
ثُم بسرعة خاطفة بعد أن تم إشعال الشموع في القاعة
طرق لاوك أرض القاعة بقدمه بصوت مدوي مُعلنًا بداية الإجتماع
لاوك : "أُحيي أعضاء مجلس البوربون الشعبي الموقرون. واقدم التحية لسيد رئيس المجلس الأعلى مونراخ.
اليوم نجتمع بكُم لمُناقشة أمر تشريع الدستور بشكل رسمي بعد الموافقة عليه. والعمل به من قبلكم."
مونراخ :" أعطيني النسخة."
أخذ الحارس النسخة إلى مونراخ وجلس يقرأها ويقرا المواد والاختام.
مونراخ : "يوافق البوربون برحابة صدر على هذا الدستور سيدي لاوك. نعدكم ببدأ العمل به مباشرة بعد هذا الاجتماع. وسوف يتم إعادة تنشيط المصانع والمزارع العاملة وتجديد الاحياء والاكاديميات بعد أخذ موافقة الأطلس الرسميةـ
لاوك " كذلك فرض الضرائب الكلية. على البوربون أيضا كعقوبة وجعل دستور جرائم عائلة اولمبيا الحاكمة في زمن آنجيلوا الأول هو دستور الاحتكام على مجلس البوربون."
صُعق كل من في المجلس ورُفعت الرماح على عنق لاوك لكنه لم يخفها.
وضع الدستور الذي كتبه هيونكيل ووثق به جرائم اولمبيا.
أمام أنظار الجميع بدأ لاوك في بالتحدث بكل جسارة وعدم خوف :
"الجريمة الأولى هي مقتل اليوسليف التي كانت جريمة مدبرة. معلمي اليوسليف وجدته بنفسي مقتولاً وغارقاً في دمائه على سريره."
حمل لاوك إبرة صغيرة ملطخة بالدماء ومدسوس فيها السم قديم
لاوك : "في نفس اليوم قام السيد مونراخ بزيارة اليوسليف وعانقه.لقد تم تسجيل تلك الزيارة واللقاء من نفس اليوم ولم ينكر أحد ادلائي بهذه الشهادة لأنني كنت اراقب بسرية تامة وكنت موجودا في بيت اليوسليف.
عندها أردت الذهاب إلى غرفته سائلا عن حاجة. ورأيت الابرة الملطخة بالدماء مرمية على الأرض.
لقد كانت صغيرة بشكل كافي أن تطعن اليوسليف من دون علمه في خلف رأسه فيغمى عليه بسرعة ويموت وهو مخنوق بدمه.
تأكدت من الأمر بنفسي بعد أن بحثت عن السموم المستخرجة من بعض الأفاعي التي كان السيد مونراخ قد أشترى بعضها قبل مقتل اليوسليف بيوم."
يُضهر عقد الشراء من سجل الجرائم.
يُشير الأعمى بإصبعه إلى المونراخ.
فيُرى أمام الجميع الخوف على وجه ذلك الأخير.
مونراخ : "وكيف لك أن ترى ايها الأعمى ؟."
لاوك: "أنا لم أكن أعمى في وقت طويل من حياتي. لكنني عند بلوغي سقوط إيرتيريا وحريق مكتبة آرتيا. بكيتُ حتى أصابني الرَمَدْ."
صمتْ بهدوء مونراخ وجلس على مقعده وهو يحك رأسه.
عندها يُشير عجوز في الخلف إلى أحد أعضاء المجلس
:
"لقد عشت بما يكفي في إيرتيريا من أجل أن أرى حزب
العمال يتم ذبحهم واحداً تلو الآخر على يد قرار أصدرته بيدك."
مونراخ :"وكيف لك أن تهذي بالكلام بدون الدليل ايها العجوز؟"
لاوك : "حادثة قمع ومقتل أعضاء حزب العمال ومجلس الشعب في وقت سابق حدثت بقرار من آنجيلوا وموافقة رسمية من البوربون. وشهد على الحادث في نفس اليوم وفي نفس القاعة عضو المجلس السابق والمستشار الرسمي بارجاس. هذا العجوز كان كفوئاً أكثر من اغلبيتكم."
يرفع لاوك الدليل المسجل تاريخياً ومع شهادة الرجُل يكون الحق معه.
يرفع ديوجين أحد الشيوخ أصابعه نحو جميع الاعضاء
ديوجين :
"أنا أشهد انكم افتعلتم الجريمة بحق إيرتيريا. جميعكم متواطئون مع آنجيلوا في ماحصل في حادثة 121 عند ذبح مجلس الشيوخ.
كُلكم عممتم الصمت مع انكم استطعتم الإعتراض على ماحدث"
لاوك : "ديوجين كان عاملاً في المجلس وشهد الحادثة على مقتل الشيوخ وهو مختبئ واحدا تلوا الآخر في القاعة."
بدأت الاصابع تُرفع في وجه المجلس مع كل صوت يدعمه دليل من عند لاوك.
وأصبحت الاصابع كثيرة حتى سقط أعضاء المجلس في حيرة وخوف.
ضل مونراخ ينظرُ بنظرة فارغة إلى الأصابع ثم تحول الجو في القاعة من لهيب اللباب إلى بارد قارص.
مونراخ :"هيونكيل الحكيم. إنه الشيطان. هذه الأمة لاتحتاج لأفكار عبثية مثل أفكاره."
بدأ بالصراخ وهو غاضب على لاوك وكان يقطع شعر رأسه.
البوربون قد هُزم.
لاوك :"مايريده الحكيم هيونكيل ليس الحرب والعداء. جُل ما سعى له هو بداية جديدة في آرتيا تحت حكم الاطالس تمحوا ما اقترفه آنجيلوا بحق إيرتيريا وحكم والده ابولو الأكبر.
اعملوا معنا نعمل معكم.
عندها فقط لن يتحدث هيونكيل عن حقيقة البوربون للاطلس."
طرق مساعد المونراخ أرضية المجلس
: "بسم المونراخ اقول لكم بأننا موافقون على قراراتكم وان مجلس البوربون منذ اليوم سيبدأ بالعمل على تشريع قوانين وزارة العدالة عن قرارة الأطلس بنفسه.
وسنتحمل الضريبة ونعمل على تعويض شعب آرتيا وآرسيا بأسره."
طرق لاوك قدم المجلس أرضاً
وضحك الجميع سعداء.
نام هيونكيل وبياتريس نوماً عميقاً
وعاد لاوك للوحدة في العراء.
نام أصحابُ الاكفانِ في قُبورِهمْ تلكَ الليلةْ.
فعداء البوربون كان شديداً وتم اغتيال أغلبهم.
دخل لاوك غريباً لا يعرفه أحد في آرتيا.
وها هم الناس حوله بعد أن خرجه يحبونه.
تجمع الناس حوله وحييوه في رهبة.
رفع يده نحوه وحياهم ورأسه منحنية للأسفل احتراماً لهم.
تواضع ذلك القديس رغُم كونه يستحق مايحصل عليه.
زقزقت صراصيرُ الليل على آذان لاوك وهو يخرجُ من مبنى المجلس وعاد إلى المكتبة وهو متعب.
ديوجين : "احسنت فعلاً ياصديقي."
تنهد لاوك براحة.
لاوك :"سوف أنام الآن ياديوجين. لا تجعل أحدا يجعلني استيقظ ارجوك."
رفع ديوجين سيفه وحمل درعه
ديوجين : "نَم طويلاً كما تشاء ياصديقي. فأنت لم تنام ليومين."
اغلق ديوجين باب المكتبة ووقف أمام الملثمين المسلحين في الخارج وحيداً.
ديوجين : "لن تسامحني السيدة بياتريس إن حدث مكروه للمكتبة لذا. لنأمل انكم يارفاق سوف تفضلون قتال هذا العجوز هنا."
يتبع.
