Cherreads

Chapter 3 - الفصل الثالث : حضن دافئ وسط الذئاب

كان العالم قد تغيّر... ولم يعد يشبه شيئًا مما عرفه ويليام.

ومن بين كل الناس، كان هو أحد أولئك الذين تلقّوا الضربة الأقسى.

عمله... دراسته... مستقبله... وحتى السقف الذي يؤويه، صار مهددًا بالضياع.

لكن رغم كل هذا، لم ينطفئ ذلك البريق في عينيه.

ذلك الإصرار الطائش، الذي جعله يقف كل صباح ويخرج إلى الشوارع الخراب، يبحث عن أي فرصة يستطيع أن يتشبث بها كي لا يسقط.

ثلاثة أسابيع كاملة من العمل المتواصل.

ثلاثة أسابيع من العرق، من الجهد، من الألم الذي يُدفن في القلب حتى لا يراه أحد.

وفي النهاية... تمكن من جمع المال الذي يكفيه ويكفي فيكتوريا لأداء الاختبار.

عاد إلى المنزل في ذلك المساء، خطواته مثقلة لكنها ثابتة.

كان هناك شيء في عينيه... شيء يشبه البداية.

"أمي... أبي... أريد أن أجري الاختبار مع فيكتوريا. جمعت المال."

رفعت الفتاة رأسها نحوه.

فيكتوريا... بشعرها الفضي الذي يشبه خيط ضوء هارب من القمر، وعيونها اللامعة التي تحمل في أعماقها ألف حكاية لا يعرفها أحد.

كانت تنظر إليه كما لو أن العالم كله تم اختزاله في شخص واحد... هو.

وفجأة بدأت الذكريات تغمرها، كسيل لا يرحم.

تلك الليلة.

الدموع التي لم تتوقف.

أصوات الإسعاف.

الشارع المبتل.

وجسدها المرتجف لأنها فقدت والديها في لحظة واحدة، بينما رفض أقرب الناس إليها أن يمنحوها حتى غرفة تنام فيها.

ركضت وقتها، لا تعرف أين تذهب، وانتهى بها الأمر أمام باب منزل الجيران... منزل ويليام.

وماريا... تلك المرأة التي احتضنتها بلا تردد، وهي تقول بصوت صارم لكنه دافئ بما يكفي ليعيد الحياة لقلب مكسور:

"أيتها الغبية... من الآن فصاعدًا، هذا منزلك. هذا أبوك، وأنا أمك... وهذا أخوك الأكبر."

جاك نظر إليها بنظرة لم ترَ مثلها من قبل... نظرة رجل يَعِد دون أن يتكلم.

أما ويليام... فقد نظر إليها كما لو أنها كنز سقط في حضنه، كنز يحتاج للحماية مهما كلّف الأمر.

ووقتها... بكت.

بكت لأنها وجدت أخيرًا مكانًا تنتمي إليه.

ــ بعد أيام ــ

عندما أعلن ويليام أنه سينتقل للعيش وحده ليعمل ويستقل، لم تقل شيئًا، لكنها فهمت.

كانت في الثالثة عشرة، وهو في الخامسة عشرة... وفهمت.

كل خطوة كان يفعلها كانت لأجلها، حتى وإن لم يقل ذلك بصوت مرتفع.

__________________________________

لكن ماريا لم تتقبّل الأمر. لم تتقبله إطلاقًا.

صرخت فيه بنبرة ممتلئة بالغضب والخوف:

"ألا تعرف أيها الغبي أن هؤلاء الناس ليسوا موثوقين؟ أتريد تعريض أختك للخطر؟!"

تجمّد للحظة، ثم قال بصوت هادئ لكنه قوي:

"أمي... لن يصيبها أي مكروه وأنا معها. فقط... أريد سماع رأيها هي."

تجمّدت الأنفاس.

نظرات الجميع تحولت نحو فيكتوريا.

فقالت، بصوت خافت لكنه حاسم، بلا أي تردد:

"أنا... موافقة."

كانت تريد أن تفعل شيئًا. أن تُسهم. أن تردّ شيئًا من الدين الذي يثقل روحها.

لكن ماريا لم تستطع إخفاء خوفها. أمسكت بكتفيها بقوة، وقالت:

"فيك... يا ابنتي، نعرف أنك تشعرين بالذنب، لكن هذه ليست الطريقة. لا نريد أن تؤذي نفسك. اصبري قليلًا... دعي العالم يهدأ... ثم اذهبا."

ثم جاء صوت جاك، هادئًا... لكنه أقوى من كل صراخ العالم:

"ستنتظران. هذا القرار نهائي."

ولم يستطع الاثنان إلا أن ينصاعا.

هكذا... بقي كل شيء معلقًا.

الأمل... الخوف... والاختبار الذي قد يغيّر مصيرهما إلى الأبد.

More Chapters