في العادة، يمتلك الممتحنون سلطة معينة لتحديد مرتبة المتقدّم داخل الطائفة إن قبل الانتساب، لكن عندما تتجاوز المواهب حدًا معيّنًا... لا يعود القرار بيدهم.
في تلك الحالات، يجب استدعاء شخص أعلى رتبة ليُجري بنفسه التفاوض ويحدد المرتبة المناسبة، وأحيانًا... يختار هؤلاء الأشخاص المواهب النادرة لأغراضهم الخاصة.
لذا طلب الممتحن من ويليام وفيكتوريا الانتظار جانبًا حتى يصل ذلك المسؤول.
مرت نصف ساعة ثقيلة، يسودها همس المارة ونظرات الفضول التي تتجه نحو الأخوين من حين لآخر.
وفجأة ظهر رجل من بعيد، يسير بخطوات سريعة واثقة.
ملامحه جامدة، وملابسه الأنيقة تدل على مكانته، لكنه ما إن وقف أمامهما حتى بدت نظراته مختلفة تمامًا.
توقف للحظة يتفحّص وجهيهما، لكن عندما وقعت عيناه على فيكتوريا تغيّر تعبيره قليلًا، لمحة خفيفة لم تستغرق إلا ثانية... لكنها لم تخفَ عن ويليام.
كانت نظرة لم يرتح لها إطلاقًا.
تقدم ويليام خطوة صغيرة نحو الأمام دون وعي، كأنه يرسم خطًا غير مرئي بين الرجل وأخته.
ومع ذلك، بدا الرجل وكأنه لم يلاحظ حركته أصلًا.
قال الرجل بنبرة مختصرة وهو يواجه الممتحن:
"ما الأمر؟"
أجابه الممتحن بانحناءة خفيفة تُظهر الفرق الواضح بين رتبتيهما:
"هذان... أخوان. مواهبهما ممتازة للغاية، سيدي."
أخذ المسؤول اللوائح، ومرّر نظره على نتائج ويليام ثم فيكتوريا بتأنٍّ واضح.
كان وجهه بلا تعابير، لكن عيناه ضيّقتا النظر قليلًا، وكأن القرار تبلور داخله.
ثم رفع رأسه، وقال بلامبالاة مصطنعة:
"في العادة... هذه المواهب تؤهلكم للدخول كتلاميذ داخليين فورًا."
توقفت كلماته لحظة قصيرة قبل أن يستكمل، وهو يوجه كلامه نحو فيكتوريا تحديدًا:
"لكن... لو وافقتِ على عرضي، أستطيع ضمان مكانك كتلميذة لأحد الشيوخ مباشرة."
كانت نظرته هذه المرة أوضح، أكثر تركيزًا ممّا يجب...
نظرة لم يحبّذها ويليام مطلقًا، ولم يتمكن من إخفاء انقباض وجهه حين رآها.
أما فيكتوريا، فقد ظهر الارتباك على ملامحها.
تراجعت خطواتها نصف خطوة بلا قصد، وعينيها اتسعتا قليلاً.
لم تفهم تمامًا معنى "العرض"، لكن شعورًا خفيفًا بالقلق تسلل إلى صدرها.
شعر ويليام بقشعريرة باردة تمتد أسفل ظهره،
إحساس بالعجز، ممزوج بالخوف والغضب...
مشاعر لم يعرف كيف يتعامل معها في تلك اللحظة،
خصوصًا مع جهله الكامل بالحدود التي يستطيع تجاوزها دون تعريضهما للخطر.
كان المكان حولهم صامتًا تقريبًا...
لا يسمع سوى أصوات خافتة من المارّة الذين لاحظوا توتر الموقف، وبدأوا يتبادلون النظرات دون أن يقترب أحد.
"إنه يعرض عليها...!"
"مثلما فعلوا مع كثير من الفتيات من قبل..."
"هذه الطوائف لا ترحم... يا للمسكينة."
"إذا رفضت ربما يقتلونها... المواهب النادرة لا يسمحون لها بالرحيل بسهولة."
"هذا هو العالم الآن... القوي يأخذ ما يريد."
كانت نظراتهم مزيجًا من الشفقة، الخوف، الغضب... والجبن.
عيونهم مسمرة على فيكتوريا التي ما تزال تحاول فهم ما يحدث،
وعلى ويليام الذي بدا كذئب محاصر في زاوية ضيقة،
يعرف أنه لا يستطيع الهجوم... ولا يستطيع الهرب.
أما الرجل...
فقد وقف بثقة كاملة، وكأن ردّهما لا يهم،
وكأن القرار قد كُتب سلفًا،
وهو ينتظر فقط اللحظة التي ينهار فيها أحدهما.
