Cherreads

Chapter 8 - الفصل الثامن : غضب عارم

استمر الكرّ والفرّ بين الاثنين

، مطاردة طويلة تبتلع الأنفاس.

ولحسن حظ ويليام، كانت الأزقة الضيقة والمنازل المحطمة التي هجرت حديثًا تُربك حواس الرجل الروحية بين الحين والآخر، فتمنح الفتى فرصة للهروب ولو لبضع دقائق أخرى.

كان يلوذ بأي مبنى مظلم يتداعى تحت ثقل الدمار، ينتظر... يتنصّت... يتنفس كمن يختبئ من الموت نفسه.

لكن مع كل لحظة كان يشعر بشيء واحد فقط:

هذا لن يدوم.

لم يكن يعلم أن الرجل الذي يطارده لا يعمل وحده.

في مكان آخر من الحي المظلم، كان أحد الأتباع يراقب المبنى الأسود المتشقق الذي اختبأ فيه ويليام.

رفع جهاز الاتصال الصغير —ذلك الذي أحضره "المحتلون" ولم يفهم أحد من البشر كيفية عمله— ثم همس:

"يا رئيس كايت... الفتى داخل المبنى الأسود. يختبئ، ينتظر لحظة مناسبة للهروب."

جاءه صوت كايت ببرود حاد:

"سأشتت انتباهه... وعندما يتحرك، انقض عليه."

أغلق التابع الجهاز، ثم تحرك بخطوات خفيفة لا تكاد تُسمع.

ووسط هذا الخراب...

كان كايت يتقدم ببطء، وبداخله شيء أسوأ من الغضب.

لم يكن كايت يرى الأمر مجرد مطاردة.

كان يرى في ويليام إهانة شخصية.

ضربته السابقة لم تمزق كبرياءه فحسب... بل جعلت أتباعه يهمسون فيما بينهم.

"هل فقد رئيس كايت هيبته؟"

"كيف لطفل أن يفلت منه؟"

وكانت هذه الكلمات كافية لإشعال حريق أسود داخله.

"سأكسر روحه قبل عظامه...

سأجعل كل خطوة هرب فيها ندمًا خالدًا."

كانت عيناه تحترقان بالدماء، وابتسامة خطيرة، ملتوية ومليئة بالقسوة، تعلو شفتيه كلما شعر بقرب فريسته.

هذه لم تعد مطاردة...

كانت عقوبة.

داخل المبنى المتشقق، كان ويليام يراقب بصعوبة.

جف حلقه، وخارت أطرافه، ورأسه يدور من الجوع والعطش بعد يوم ونصف دون طعام.

كل نفس يجرّه كان كطعنة.

لكن الخوف... الخوف كان يجبره على الاستمرار.

رأى ظلّ كايت يمرّ عبر الشقوق في الجدار، فاندفع للهرب هذه المرة دون تردد.

ركض، رغم أنّ قدميه كانتا أشبه بقطعتين من الحجر.

لكنه لم يكن يعلم... أن الفخّ قد أُغلق.

وبينما يندفع خارج المبنى محاولًا تغيير اتجاهه...

ظهر أمامه ظلّ بشري، لم يشعر به، لم يسمع خطواته، لم يتوقعه.

يد مثل قيدٍ حديدي انقضت عليه من الظلام.

أصابع قوية، خشنة، ملتفّة حول رقبته فجأة.

اختنق الهواء.

لم يستطع الصراخ.

لم يفهم حتى ما حدث.

كان ذلك التابع خلفه مباشرة، يطبق قبضته على رقبة ويليام بقوة لا تشبه قوة البشر.

ارتفعت قدماه عن الأرض لثانية.

بدأت الرؤية تتشوش...

الظلام يتسلل من أطراف النظر نحو المركز...

الصوت يتحول إلى خرير بعيد...

ومع آخر ما تبقى له من وعي، رأى كايت يخرج من بين الركام.

عيناه حمراوان...

وجهه مشوّه بالغضب...

وابتسامة مُرعبة، بطيئة، تُشبه ابتسامة جزار رأى خروفه ينهار.

حاول ويليام المقاومة الأخيرة —تشنج جسده كله— لكن لا فائدة.

كان الهواء يُسحب من رئتيه مع كل ثانية.

ثم...

سقط.

أغمي عليه تمامًا.

في المنزل البعيد عن ساحة الجحيم، كانت ماريا تجلس بصمت ثقيل... حين ضرب صدرها ألم خاطف، كطعنة باردة غاصت مباشرة في القلب.

رفعت يدها نحو صدرها، ودمعة ساخنة انزلقت دون إذن.

ثم دمعة أخرى.

ذلك الشعور... لم يكن خوفًا عاديًا.

كان وجعًا غريزيًا يقطع صدرها نصفين، كأن روحًا تنتزع من قلبها عنوة.

وقفت فجأة، كأن قوة غامضة جذبتها من الداخل

فتحت الباب لتندفع خارجة، لكن يدًا أمسكت بذراعها بقوة.

"لن تخرجي من هنا."

كان صوت جاك يحاول أن يكون صلبًا... لكنه خرج مكسورًا، أقرب إلى الرجاء منه إلى الأمر.

صرخت ماريا، والدخان يتصاعد من صوتها:

"اتركني! أشعر... أشعر أن شيئًا فظيعًا يحدث لابناي!

أنا... أنا لا أستطيع التنفّس!"

ومع كل كلمة تنفجر دمعة جديدة، وكأن عينيها أصبحتا نهرًا هائجًا لا يتوقف.

حاولت دفع جاك بكل ما بقي فيها.

ركلته.

دفعت صدره.

ثم... عضّته بقوة، كغزالة محاصَرة تستميت دفاعًا عن صغيرها.

سال الدم من يد جاك، خطًا أحمرَ لامعًا فوق جلده، لكنّه لم يتركها.

لم يسمح لنفسه بذلك.

احتضنها بقوةٍ أكبر—قوة رجلٍ يحاول أن يثبت العالم كله على كتفيه قبل أن ينهار فوق رأسه.

"ماريا... توقّفي... أرجوك."

كان صوته يرتجف رغم محاولته السيطرة.

كان يعرف... يعرف تمامًا أن الخوف الذي يجتاحها حقيقي.

وأنه يشعر بالشيء ذاته منذ دقائق، لكنه يخفيه لأنها تحتاج إلى ثباته.

قاومت، ثم... انكسرت.

انهارت بين ذراعيه، وصوت نحيبها كتم صراخ قلبها.

حين رأت الدم يسيل من يد زوجها، خمد شيء منها.

عادت إليها ذرة من الوعي... قبل أن يسحبها الإعياء فجأة، فتسقط في حضنه دون مقاومة، فاقدة القوة والعمر معًا.

بدا وجهها لحظتها وكأنه تقدّم عشر سنوات في لحظة واحدة.

وأخيرًا—وللمرة الأولى منذ سنوات—سمح جاك لدمعة واحدة أن تسقط.

دمعة ثقيلة... حارقة... خرجت من رجل اعتاد أن يكون الجدار الأخير.

لكن تلك الدمعة؟

كانت علامة على شيء واحد:

ابنيهما... في مكان ما... كان في خطر مميت.

More Chapters